سورة الإسراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)}
{وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل} أخرج بن جرير. وغيره عن ابن عباس أي أعلمناهم، وزاد الراغب وأوحينا إليهم وحيًا جزمًا، وصرح غير واحد بتضمن القضاء معنى الإيحاء ولهذا عدى بإلى، والوحي إليهم إعلامهم ولو بالواسطة، وقيل إلى عنى على وروي ذلك أيضًا عن ابن عباس: قال أي قضينا عليهم {فِى الكتاب} أي التوراة أو الجنس بدليل قراءة أبي العالية. وابن جبير {الكتاب} بصيغة الجمع والظاهر الأول على الأول أو اللوح المحفوظ على الأخير، وأخرج ابن المنذر. والحاكم عن طاوس قال: كنت عند ابن عباس ومعنا رجل من القدرية فقلت: إن أناسًا يقولون لا قدر قال: أو في القوم أحد منهم؟ قلت: لو كان ما كنت تصنع به؟ قال: لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه ثم قرأت عليه {وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل فِى الكتاب} {لَتُفْسِدُنَّ فِى الارض} جواب قسم محذوف، وحذف متعلق القضاء أيضًا للعلم به؛ والتقدير وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم وعلوهم والله لتفسدن إلخ ويكون هذا تأكيدًا لتعلق القضاء، ويجوز جعله جواب {قَضَيْنَا} بإجراء القضاء مجرى القسم فيتلقى بما يتلقى به نحو قضاء الله تعالى لأفعلن كذا. والمراد بالأرض الجنس أو أرض الشام وبيت المقدس.
وقرأ ابن عباس. ونصر بن علي. وجابر بن زيد {لَتُفْسِدُنَّ} بضم التاء وفتح السين مبنيًا للمفعول أي يفسدكم غيركم فقيل من الضلال، وقيل من الغلبة. وقرأ عيسى {لَتُفْسِدُنَّ} بفتح التاء وضم السين على معنى لتفسدن بأنفسكم بارتكاب المعاصي {مَّرَّتَيْنِ} منصوب على أنه مصدر {لَتُفْسِدُنَّ} من غير لفظه، والمراد إفسادتين أولاهما على ما نقل السدي عن أشياخه قتل زكريا عليه السلام وروي ذلك عن ابن عباس. وابن مسعود وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضًا ولم يسمعوا من زكريا فقال الله تعالى له: قم في قومك أوح على لسانك فلما فرغ مما أوحى عليه عدوًا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسط الشجرة حتى قطعوه في وسطها.
وقيل سبب قتله أنهم اتهموه ريم عليها السلام قيل قالوا: حين حملت ضيع بنت سيدنا حتى زنت فقطعوه بالمنشار في الشجرة، وقال ابن إسحق: هي قتل شعيا عليه السلام وقد بعث بعد موسى عليه السلام فلما بلغهم الوحي أرادوا قتله فهرب فقتل وهو صاحب الشجرة وزكريا عليه السلام مات موتًا ولم يقتل. وفي الكشاف أولاهما قتل زكريا وحبس أرميًا والآخرة قتل يحيى وقصد قتل عيسى عليهما السلام، وهذا فيمن جعل هلاك زكريا قبل يحيى عليهما السلام وهو رواية ابن عساكر في تاريخه عن علي كرم الله تعالى وجهه، ثم ضم ذلك مع حبس أرميًا في قرن غير سديد لأن أرميًا كان في زمن بختنصر وبينه وبين زكريا أكثر من مائتي سنة.
واختار بعضهم وقيل: إنه الحق أن الأول تغيير التوراة وعدم العمل بها وحبس أرميًا وجرحه إذ وعظهم وبشرهم بنبينا صلى الله عليه وسلم وهو أول من بشر به عليه الصلاة والسلام بعد بشارة التوراة، والأخرى قتل زكريا ويحيى عليهما السلام، ومن قال: إن زكريا مات في فراشه اقتصر على يحيى عليه السلام، واختلف في سببه قتله فعن ابن عباس وغيره أن سبب ذلك أن ملكًا أراد أن يتزوج من لا يجوز له تزوجها فنهاه عليه السلام وكان الملك قد عود تلك المرأة أن يقضي لها كل عيد ما تريد منه فعلمتها أمها أن تسأله دم يحيى في بعض الأعياد فسألته فأبى فألحت عليه فدعا بطست فذبحه فيه بدرت قطرة على الأرض فلم تزل تغلي حتى قتلها عليها سبعون ألفًا.
وقال الربيع بن أنس: إن يحيى عليه السلام كان حسنًا جميلًا جدًا فراودته امرأة الملك عن نفسه فأبى فقالت لابنتها: سلى أباك رأس يحيى فسألته فأعطاها إياه، وقال الجبائي. إن الله تعالى ذكر فسادهم في الأرض مرتين ولم يبين ذلك فلا يقطع بشيء مما ذكر {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} لتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان وتفرطن في ذلك إفراطًا مجاوزًا للحد، وأصل معنى العلو الارتفاع وهو ضد السفل وتجوز به عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {عَلِيًّا كَبِيرًا} بكسر العين واللام والياء المشددة، قال في البحر والتصحيح في فعول المصدر أكثر بخلاف الجمع فإن الإعلال فيه هو المقيس وشذ التصحيح نحو لهو ومهو خلافًا للفراء إذ جعل قياسًا.


{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)}
{فَإذَا جَاءَ وَعْدُ أولياهما} أي أولى مرتى الإفساد.
والوعد عنى الموعود مراد به العقاب كما في البحر وفي الكلام تقدير أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، وقيل الوعد عنى الوعيد وفيه تقدير أيضًا، وقيل عنى الوعد الذي يراد به الوقت أي فإذا حان موعد عقاب أولاهما {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ} أرسلنا لمؤاخذتكم بتلك الفعلة {عِبَادًا لَّنَا} وقال الزمخشري: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون الله تعالى أرسل إلى ملك أولئك العباد رسولًا يأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر منه تعال. ى وقرأ الحسن. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم {عبيدًا} {قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذوي قوة وبطش في الحروب، وقال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية، ومن هنا قيل: إن وصف البأس بالشديد مبالغة كأنه قيل: ذوي شدة شديدة كظل ظليل ولا بأس فيه، وقيل إنه تجريد وهو صحيح أيضًا. واختلف في تعيين هؤلاء العباد فعن ابن عباس. وقتادة هم جالوت الجزري وجنوده، وقال ابن جبير. وابن إسحاق هم سنجاريب ملك بابل وجنوده، وقيل هم العمالقة، وفي الإعلام للسهيلي هم بختنصر عامل لهراسف أحد ملوك الفرس الكيانية على بابل والروم وجنوده بعثوا عليهم حين كذبوا أرميا وجرحوه وحبسوه قيل وهو الحق.
{فَجَاسُواْ خلال الديار} أي ترددوا وسطها لطلبكم، قال الراغب: جاسوا الديار توسطوها وترددوا بينها ويقاربه حاسوا وداسوا، وقرأ {حاسوا} بالحاء أبو السمال. وطلحة، وقرئ أيضًا {تجوسوا} بالجيم على وزن تكسروا.
وقال أبو زيد: الجوس والحوس طلب الشيء باستقصاء، و{وَلاَ خلال} اسم مفرد ولذا قرأ الحسن {خلال} ويجوز أن يكون خلال جمع خلل كجبال جمع جبل، ويشير كلام أبي السعود إلى اختياره وكلام البيضاوي إلى اختيار الأول.
{وَكَانَ} أي وعد أولاهما {وَعْدًا مَّفْعُولًا} محتم الفعل فضمير {كَانَ} للوعد السابق، وقيل: للجوس المفهوم من {جلسوا} والجمهور على أن في هذه البعثة خرب هؤلاء العباد بيت المقدس ووقع القتل الذريع والجلاء والأسر في بني إسرائيل وحرقت التوراة، وعن ابن عباس. ومجاهد أنه لم يكن ذلك وإنما جاس الغازون خلال الديار وانصرفوا بدون قتال.


{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}
{مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة} أي الدولة والغلبة، وأصل معنى الكر العطف والرجوع، وإطلاق الكرة على ما ذكر مجاز شائع كما يقال تراجع الأمر، ولام لكم للتعدية، وقيل: للتعليل، وقوله تعالى: {عَلَيْهِمْ} أي الذي فعلوا بكم ما فعلوا متعلق بالكرة لما فيها من معنى الغلبة أو حال منها، وجوز تعلقه برددنا، وهذا على ما في البحر إخبار منه تعالى في التوراة لبني إسرايل إلا أنه جعل {رَدَدْنَا} موضع نرد لتحقق الوقوع، وكان بين البعث والرد على ما قيل مائة سنة وذلك بعد أن تابوا ورجعوا عما كانوا عليه واختلف في سبب ذلك فروى اردشير بهمن بن اسفنديار بن كشتاسف بن لهراسف لما ورث الملك من جده كشتاسف ألقى الله تعالى في قلبه الشفقة على بني إسرائيل فرد اسراءهم الذين أتى بهم بختنصر إلى بابل وسيرهم إلى أرض الشام وملك عليهم دانيال فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، وجعل بعضهم من آثار هذه الكرة قتل بختنصر ولم يثبت.
وفي البحران ملكًا غزا أهل بابل وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفًا ممن يقرأ التوراة وأبقى عنده بقية في بابل فلما غزاهم ذلك الملك وغلب عليهم تزوج امرأة بني إسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى ديارهم ففعل وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا، وقيل: رد الكرة بأن سلط الله تعالى داود عليه السلام فقتل جالوت. وتعقب بأنه يرده قوله تعالى: {وَلِيَدْخُلُواْ المسجد} [الإسراء: 7] إلخ فإن المراد به بيت المقدس وداود عليه السلام ابتدأ بنيانه بعد قتل جالوت وإيتائه النبوة ولم يتمه وأتمه سليمان عليه السلام فلم يكن قبل داود عليه السلام مسجد حتى يدخلوه أول مرة، ودفع بأن حقيقة المسجد الأرض لا الباء أو يحمل قوله تعالى: {دَخَلُوهُ} على الاستخدام وهو كما ترى، والحق أن المسجد كان موجودًا قبل داود عليه والسلام كما قدمنا.
{وأمددناكم بأموال} كثيرة بعد ما نهبت أموالكم {وَبَنِينَ} بعدما سبيت أولادكم {وجعلناكم أَكْثَرَ نَفِيرًا} مما كنتم من قبل أو من أعدائكم، والنفير على ما قال أبو مسلم كالنافر من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، وقال الزجاج: يجوز أن يكون جمع نفر ككلب وكليب وعبد وعبيد وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو، وقيل: هو مصدر أي أكثر خروجًا إلى الغزو كما في قول الشاعر:
فأكرم بقحطان من والد *** وحمير أكرم بقوم نفيرا
ويروى بالحميريين أكرم نفيرًا، وصحيح السهيلي أنه اسم جمع لغلبته في المفردات وعدم إطراد مفرده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8